جبروت السلطة اللبنانية
منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية في ١٧ تشرين التاني من عام ٢٠١٩ كانت المطالب الشعبية تشكيل حكومة انتقالية من خارج السلطة السياسية مهمتها وقف الانهيار ولكن لا الانتفاضة، ولامعاناة الفقراء مع تعاظم الانهيار، ولا حتى انفجار المرفأ في الرابع من شهر آب استطاعوا تغيير اسلوب ممارسة السلطة السياسية في لبنان ، فعلى الرغم من تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي بشكل متسارع وكبير ما زالت السلطة السياسية تستمر في غطرستها وصراعها في ما بينها على الحصص النيابية التي تظهر بشكل واضح وصريح في الصراع حول تشكيل الحكومة بين الحريري وميشال عون غير أبهين لصراع الفقراء مع الجوع او المرض بعد انقطاع الدواء او طوابير الذل على محطات الوقود.
لا بل كانت السلطة صريحة عندما تكلمت على لسان وزير الطاقة ريمون غجر "بأن من لا يستطيع شراء صفيحة البنزين بعد رفع الدعم عنها عليه إيجاد وسائل نقل اخرى! " (في لبنان لا يوجد نقل عام مشترك ولا يمتلك الناس وسيلة للتنقل غير السيارة الخاصة او الأجرة التي ترتفع أجرتها مع ارتفاع سعر الصفيحة) ، اي ان السلطة وبكل صراحة بتحالفها مع عصابات رأس المال قد وضعت الطبقة الفقيرة تحت رحمة تلك العصابات بالاخص بعد رفع الدعم المتزامن مع رفع حدة الاحتكارات ! بمعنى اخر ان السلطة السياسية قد وضعت الشعب تحت الحصار حرفيا! فالناس أصبحوا يعيشون اليوم بيومه، فإن قرر الفقير ليوم واحد فقط النزول إلى الشارع والاحتجاج على ممارسة السلطة سيقابله يوم جوع للاسرة كلها. فقد استطاعت السلطة فرض معادلة جديدة "اما الموت جوعا او السكوت" وفي الوقت الذي تم فيه إغراق الطبقة الفقيرة في دوامة البحث عن الطعام اليومي تم إعطاء مساحة لأحزاب السلطة في استخدام الشارع من قبل مناصرينهم لتمرير راسائل سياسية فيما بينهم في ظل صراعهم السياسي داخل المنظومة.
ان هذا الجبروت في أداء السلطة يعمي بصيرتها حول المرحلة القادمة فإن هذا السكوت في تلك المعادلة التي فرضتها لن يستمر طويلا! وسيتحول إلى انفجار أشد تأثير من انفجار النيترات في مرفأ بيروت. فلقد غاب عن ذهن ريمون غجر عندما قال "من لا يستطيع شراء صفيحة البنزين عليه إيجاد وسائل نقل بديلة" انه فعلا الناس بدأت تُظهر ملامح شكل بديل لن يكون عبر اقتياد الحمير والاحصنة في المواصلات مثلا، بل عبر سلوك سيتخذه الفقراء لتأمين احتياجاتهم، وبدأ يظهر شكلين مختلفين من السلوك، السلوك الأول عبر اشكالات مسلحة على أبواب محطات الوقود التي بدأت تتكرر بشكل يومي، اما السلوك الثاني وهو عبر وضع اليد على عربات توزيع السلع الضرورية كالحليب من قبل الناس وتوزيعها على المارّة.
ان هذين السلوك الأول والثاني يُبينوا ملامح شكل الانفجار القادم فإن تعاظم السلوك الأول اي الاشكالات المسلحة سيكون الانفجار أمني وبما ان أحزاب السلطة تمتلك السلاح والمال ستستطيع إحكام قبضتها بحجة الأمن الذاتي لنتحول على أبواب حرب أهلية مناطقية، اما اذا تعاظم السلوك الثاني وبالاخص مع الغلاء المتزايد والمتسارع سيكون الانفجار شعبي وسيضع الطبقة الفقيرة في صراع مع السلطة واجهزتها ومع المحتكرين والمنتفعين.
ولطالما كان الصراع مع السلطة في لبنان كالسير في حقل ألغام.
وويزيده خطوره غياب القوة الثورية التي من شأنها تحويل لحظة الانفجار هذه إلى ثورة .
ان تفكك السلطة في لبنان يُسرع في تحول الصراع من صراع بين الشعب والمنظومة الحاكمة الى صراع أطراف المنظومة كاحزاب وطوائف مسلحة بين بعضها البعض .
لقد كان طرحنا منذ البداية حكومة انتقالية من خارج السلطة السياسية تهدف إلى تغيير نهج السياسات المالية التي اوصلتنا الى الانهيار وقدمنا خطة اقتصادية عاجلة واضحة الأهداف لتحقيق هذه الغاية. وأننا واثقون ان هذا الطرح لن يتحقق الا من خلال الضغط والقوة السياسية الحاملة لهذا المشروع .
لذا نعتبر ان مهمتنا المرحلية منع الاقتتال الطائفي وفتح أبواب النقاش بين قوى الاعتراض الثوري لبناء الاطار السياسي الجامع .
تكون مهمته الترويج لهذا الطرح السياسي بين الفئات الشعبية عبر اللقاءات والنقاش والتحريض الاعلامي بالإضافة إلى التحركات الميدانية ليصبح هذا الطرح هو طرح الفئات الشعبية عند الانفجار الشعبي.
ان تناقضات بنية النظام اللبناني تجعل انهياره أمرا حتميا
لذا نعمل كي لا يكون الانهيار على رؤوس الفقراء بل فاتحة للتغيير الشامل للنظام
وصولا للمرحلة الأخيرة هي هزيمة الإمبريالية التي تدعم هذا النظام الطائفي في الشرق الأوسط ككل ، وجعل المنظور الاشتراكي للشرق الأوسط هو المسيطر في المنطقة بأسرها.